معهد المنار الجامعي

مدونة تعنى بمادة علم التربية ( التربية المختصة – مرحلة TS ) / إعداد الأستاذ هيثم شعيب

الوسائل التعليمية

لم يعد اعتماد أي نظام تعليمي على الوسائل التعليمية درباً من الترف، بل أصبح ضرورة من الضرورات لضمان نجاح تلك النظم وجزءاً لا يتجزأ في بنية منظومتها. ومع أن بداية الاعتماد على الوسائل التعليمية في عمليتي التعليم والتعلم لها جذور تاريخية قديمة، فإنها ما لبثت أن تطورت تطوراً متلاحقاً كبيراً في الآونة الأخيرة مع ظهور النظم التعليمية الحديثة.

وقد مرت الوسائل التعليمية بمرحلة طويلة تطورت خلالها من مرحلة إلى أخرى حتى وصلت إلى أرقى مراحلها التي نشهدها اليوم في ظل ارتباطها بنظرية الاتصال الحديثة Communication Theory فهل لهذه الوسائل من دور ايجابي في تعزيز عملية التعلم والتعليم ؟ وهل تلعب دورا ايجابيا في تسريع عملية التعلمية والحد من الجهد الذي يبذله المعلم في هذا السبيل ؟ لذلك سوف يقتصر الحديث على تعريف للوسائل ودورها في تحسين عملية التعليم والتعلم والعوامل التي تؤثر في اختيارها وقواعد اختيارها وأساسيات في استخدام الوسائل التعليمية.

يعتبر المربي الاميركي “سيغان ” أنه لا تعلم في الداخل ما يمكن تعلمه في الخارج …لا تعلم في الكتاب ما يمكن تعلمه في الطبيعة …لا تعلم شيئا بواسطة الطبيعة الجامدة ( رسوم ) ما تستطيع معاينته حيا في الطبيعة … يجب ان تكون الطبيعة غرفة الصف والكتاب معا … كما عرفَّ عبد الحافظ سلامة الوسائل التعليمية على أنها أجهزة وأدوات ومواد يستخدمها المعلم لتحسين عملية التعليم والتعلم.
وقد تدّرج المربون في تسمية الوسائل التعليمية فكان لها أسماء متعددة كوسائل الإيضاح، الوسائل البصرية، الوسائل السمعية، الوسائل المعنية، الوسائل التعليمية، وأحدث تسمية لها تكنولوجيا التعليم التي تعني علم تطبيق المعرفة في الأغراض العلمية بطريقة منظمة.
وهي بمعناها الشامل تضم جميع الطرق والأدوات والأجهزة والتنظيمات المستخدمة في نظام تعليمي بغرض تحقيق أهداف تعليمية محددة.

ويمكن للوسائل التعليمية أن تلعب دوراً هاماً في النظام التعليمي. ورغم أن هذا الدور أكثر وضوحاً في المجتمعات التي نشأ فيها هذا العلم، كما يدل على ذلك النمو المفاهيمي للمجال من جهة، والمساهمات العديدة لتقنية التعليم في برامج التعليم والتدريب كما تشير إلى ذك أديبات المجال، إلا أن هذا الدور في مجتمعاتنا العربية عموماً لا يتعدى الاستخدام التقليدي لبعض الوسائل – إن وجدت – دون التأثير المباشر في عملية التعلم وافتقاد هذا الاستخدام للأسلوب النظامي الذي يؤكد علية المفهوم المعاصر لتقنية التعليم.
ويمكننا هنا أن نلخص الدور الذي تلعبه الوسائل التعليمية في تحسين عملية التعليم والتعلم .

نبدأ من إثراء التعليم ، فقد أوضحت الدراسات والأبحاث (منذ حركة التعليم السمعي البصري) ومروراً بالعقود التالية أن الوسائل التعليمية تلعب دوراً جوهرياً في إثراء التعليم من خلال إضافة أبعاد ومؤثرات خاصة وبرامج متميزة. إن هذا الدور للوسائل التعليمية يعيد التأكيد على نتائج الأبحاث حول أهمية الوسائل التعليمية في توسيع خبرات المتعلم وتيسير بناء المفاهيم وتخطي الحدود الجغرافية والطبيعية ولا ريب أن هذا الدور تضاعف حالياً بسبب التطورات التقنية المتلاحقة التي جعلت من البيئة المحيطة بالمدرسة تشكل تحدياً لأساليب التعليم والتعلم المدرسية لما تزخر به هذه البيئة من وسائل اتصال متنوعة تعرض الرسائل بأساليب مثيرة ومشرقة وجذابة.

وهناك اقتصادية التعليم ويقصد بذلك جعل عملية التعليم اقتصادية بدرجة أكبر من خلال زيارة نسبة التعلم إلى تكلفته. فالهدف الرئيس للوسائل التعليمية تحقيق أهداف تعلم قابلة للقياس بمستوى فعال من حيث التكلفة في الوقت والجهد والمصادر. كما تساعد الوسائل التعليمية على استثارة اهتمام التلميذ وإشباع حاجته للتعلم. ويأخذ التلميذ من خلال استخدام الوسائل التعليمية المختلفة بعض الخبرات التي تثير اهتمامه وتحقيق أهدافه. وكلما كانت الخبرات التعليمية التي يمر بها المتعلم أقرب إلى الواقعية أصبح لها معنى ملموساً وثيق الصلة بالأهداف التي يسعى التلميذ إلى تحقيقها والرغبات التي يتوق إلى إشباعها.

وأيضا تساعد على زيادة خبرة التلميذ ما يجعله أكثر استعداداً للتعلم ، هذا الاستعداد الذي إذا وصل إليه التلميذ يكون تعلمه في أفضل صورة. ومثال على ذلك مشاهدة فيلم سينمائي حول بعض الموضوعات الدراسية تهيئ الخبرات اللازمة للتلميذ وتجعله أكثر استعداداً للتعلم.

كما تساعد الوسائل التعليمية على اشتراك جميع حواس المتعلم ، فإنّ اشتراك جميع الحواس في عمليات التعليم يؤدي إلى ترسيخ وتعميق هذا التعلّم والوسائل التعليمية تساعد على اشتراك جميع حواس المتعلّم، وهي بذلك تساعد على إيجاد علاقات راسخة وطيدة بين ما تعلمه التلميذ، ويترتب على ذلك بقاء أثر التعلم.

وهي أيضا تساعد على تحاشي الوقوع في اللفظية والمقصود باللفظية استعمال المدّرس ألفاظا ليست لها عند التلميذ الدلالة التي لها عند المدّرس ولا يحاول توضيح هذه الألفاظ المجردة بوسائل مادية محسوسة تساعد على تكوين صور مرئية لها في ذهن التلميذ، ولكن إذا تنوعت هذه الوسائل فإن اللفظ يكتسب أبعاداً من المعنى تقترب به من الحقيقة الأمر الذي يساعد على زيادة التقارب والتطابق بين معاني الألفاظ في ذهن كل من المدّرس والتلميذ.

كما يؤدي تنويع الوسائل التعليمية إلى تكوين مفاهيم سليمة. وتساعد في زيادة مشاركة التلميذ الإيجابية في اكتساب الخبرة ، و تنمي الوسائل التعليمية قدرة التلميذ على التأمل ودقة الملاحظة وإتباع التفكير العلمي للوصول إلى حل المشكلات، وهذا الأسلوب يؤدي بالضرورة إلى تحسين نوعية التعلم ورفع الأداء عند التلاميذ.و تساعد في تنويع أساليب التعزيز التي تؤدي إلى تثبيت الاستجابات الصحيحة.
وكذلك على تنويع أساليب التعليم لمواجهة الفروق الفردية بين المتعلمين. و تؤدي إلى ترتيب واستمرار الأفكار التي يكونها التلميذ. وإلى تعديل السلوك وتكوين الاتجاهات الجديدة.

وهناك بعض العوامل التي تؤثر في اختار الوسائل التعليمية… ويمكن أن نلخص أهم العوامل التي تؤثر في اختيار الوسائل التعليمية والتي ذكرها روميسوفسكي في كتابة اختيار الوسائل التعليمية واستخدامها وفق مدخل النظم من خلال التأكيد على اختيار الوسائل وفق أسلوب النظم أي أن تخضع الوسائل التعليمية لاختيار وإنتاج المواد التعليمية، وتشغل الأجهزة التعليمية واستخدامها ضمن نظام تعليمي متكامل، وهذا يعني أن الوسائل التعليمية لم يعد ينظر إليها على أنها أدوات للتدريس يمكن استخدامها في بعض الأوقات، والاستغناء عنها في أوقات أخرى، فالنظرة الحديثة للوسائل التعليمية ضمن العملية التعليمية، تقوم على أساس تصميم وتنفيذ جميع جوانب عملية التعليم والتعلم، وتضع الوسائل التعليمية كعنصر من عناصر النظام، وهذا يعني أن اختيار الوسائل التعليمية يسير وفق نظام تعليمي متكامل، ألا وهو أسلوب النظم حيث يضمن اختيار هذه الوسائل وتصميمها واستخدامها لتحقيق أهداف محددة

وعلينا الالتزام ببعض القواعد قبل استخدام الوسيلة ، تبدأ من تحديد الوسيلة المناسبة، و التأكد من توافرها وإمكانية الحصول عليها وتجهيز متطلبات تشغيل الوسيلة ، وتهيئة مكان عرض الوسيلة.

أما القواعد التي ينبغي توفرها عند استخدام الوسيلة، فأهمها : التمهيد لاستخدام الوسيلة ، واستخدام الوسيلة في التوقيت المناسب و عرض الوسيلة في المكان المناسب ، كما عرض الوسيلة بأسلوب شيق ومثير والتأكد من رؤية جميع المتعلمين للوسيلة خلال عرضها والتأكد من تفاعل جميع المتعلمين مع الوسيلة خلال عرضها و إتاحة الفرصة لمشاركة بعض المتعلمين في استخدام الوسيلة وعدم التطويل في عرض الوسيلة تجنباً للملل وكذلك عدم الإيجاز المخل في عرض الوسيلة وعدم ازدحام الدرس بعدد كبير من الوسائل وعدم إبقاء الوسيلة أمام التلاميذ بعد استخدامها تجنبا لانصرافهم عن متابعة المعلم و الإجابة عن أي استفسارات ضرورية للمتعلم حول الوسيلة.

اما أهم قواعد العمل بعد الانتهاء من استخدام الوسيلة فتتمثل في تقويم الوسيلة وذلك للتعرف على فعاليتها أو عدم فعاليتها في تحقيق الهدف منها، ومدى تفاعل التلاميذ معها، ومدى الحاجة لاستخدامها أو عدم استخدامها مرة أخرى. وصيانة الوسيلة أي إصلاح ما قد يحدث لها من أعطال، واستبدال ما قد يتلف منها، وإعادة تنظيفها وتنسيقها، كي تكون جاهزة للاستخدام مرة أخرى. وحفظ الوسيلة أي تخزينها في مكان مناسب يحافظ عليها لحين طلبها أو استخدامها في مرات قادمة.

ولا بد من مراعاة أساسيات استخدام الوسائل التعليمية…من خلال تحديد الأهداف التعليمية التي تحققها الوسيلة بدقة وهذا يتطلب معرفة جيدة بطريقة صياغة الأهداف بشكل دقيق قابل للقياس ومعرفة أيضاً بمستويات الأهداف: العقلي، الحركي، الانفعالي… إلخ. وقدرة المستخدم على تحديد هذه الأهداف يساعده على الاختيار السليم للوسيلة التي تحقق هذا الهدف أو ذلك. وأيضا معرفة خصائص الفئة المستهدفة ومراعاتها.. ونقصد بالفئة المستهدفة التلاميذ، والمستخدم للوسائل التعليمية عليه أن يكون عارفاً للمستوى العمري والذكائي والمعرفي وحاجات المتعلمين حتى يضمن الاستخدام الفعّال للوسيلة. هذا إضافة الى المعرفة بالمنهج المدرسي ومدى ارتباط هذه الوسيلة وتكاملها من المنهج.. فمفهوم المنهج الحديث لا يعني المادة أو المحتوى في الكتاب المدرسي بل تشمل الأهداف والمحتوى، وطريقة التدريس والتقويم، ومعنى ذلك أن المستخدم للوسيلة التعليمية عليه الإلمام الجيّد بالأهداف ومحتوى المادة الدراسية وطريقة التدريس وطريقة التقويم حتى يتسنى له الأنسب والأفضل للوسيلة فقد يتطلب الأمر استخدام وسيلة جماهيرية أو وسيلة فردية. وعلينا أيضا تجربة الوسيلة قبل استخدامها.. والمعلم المستخدم هو المعني بتجريب الوسيلة قبل الاستخدام وهذا يساعده على اتخاذ القرار المناسب بشأن استخدام وتحديد الوقت المناسب لعرضها وكذلك المكان المناسب، كما أنه يحفظ نفسه من مفاجآت غير سارة قد تحدث كأن يعرض فيلماً غير الفيلم المطلوب أو أن يكون جهاز العرض غير صالح للعمل، أو أن يكون وصف الوسيلة في الدليل غير مطابق لمحتواها ذلك ما يسبب إحراجاً للمدّرس وفوضى بين التلاميذ. ولا ننسى تهيئة أذهان التلاميذ لاستقبال محتوى الرسالة.. ومن الأساليب المستخدمة في تهيئة أذهان التلاميذ توجيه مجموعة من الأسئلة إلى التلاميذ تحثهم على متابعة الوسيلة. و تلخيص لمحتوى الوسيلة مع التنبيه إلى نقاط هامة لم يتعرض لها التلخيص وتحديد مشكلة معينة تساعد الوسيلة على حلّها. و تهيئة الجو المناسب لاستخدام الوسيلة

ويشمل ذلك جميع الظروف الطبيعية للمكان الذي ستستخدم فيه الوسيلة مثل: الإضاءة، التهوية، توفير الأجهزة، الاستخدام في الوقت المناسب من الدرس. فإذا لم ينجح المستخدم للوسيلة في تهيئة الجو المناسب فإن من المؤكد الإخفاق في الحصول على نتائج المرغوب فيها.
وأخير تقويم الوسيلة.. ويتضمن التقويم النتائج التي ترتبت على استخدام الوسيلة مع الأهداف التي أعدت من أجلها. ويكون التقويم عادة بأداة لقياس تحصيل الدارسين بعد استخدام الوسيلة، أو معرفة اتجاهات الدارسين وميولهم ومهاراتهم ومدى قدرة الوسيلة على خلق جو للعملية التربوية. وعند التقويم على المعّلم أن مسافة تقويم يذكر فيها عنوان الوسيلة ونوعها ومصادرها والوقت الذي استغرقته وملخصاً لما احتوته من مادة تعليمية ورأيه في مدى مناسبتها للدارسين والمنهاج وتحقيق الأهداف… إلخ.

ولا ننسى أهمية متابعة الوسيلة.. والمتابعة تتضمن ألوان النشاط التي يمكن أن يمارسها الدارس بعد استخدام الوسيلة لأحداث مزيد من التفاعل بين المتعلمين .

إن الوسائل التعليمية تعتبر عماد العملية التعليمية ، فلا يقوم تعلم أو يؤسس له دون التقاطع مع وسيلة من هنا أو وسائل من هناك ، سواء في مراحل التقديم للأهداف ، او تكوينها ، او تقييمها …
لذلك يتبادر الى اذهاننا أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع ، ومدى المام المعلمين بما نادت به المنهجية التعليمية الجديدة ، وتأكيدها على جعل التلميذ محور العملية التعليمة ، فهل من ايمان حقيقي بجدوى هذه الوسائل في تحقيق الأهداف التعليمية ؟ وكيف يتعامل معلمو التربية الحديثة مع هذه الدراسات الموضوعية ؟ والى اي مدى تستخدم وتراعى شروط استخدام هذه ال كثيرة وسائل ؟
أسئلة كثيرة نضعها باسم صناع التربية والمنادين بها ، والعاملين عليها والقائمين على امرها ، علنا نحقق ذاتنا ونلتزم بما اجمعنا عليه في حقل التربية والتعليم ، حيث أقر الجميع بالدور الإيجابي لوسائل التعليم ، على صعيد التربية أولا ، وصعيد التعليم ثانيا .

أضف تعليق