معهد المنار الجامعي

مدونة تعنى بمادة علم التربية ( التربية المختصة – مرحلة TS ) / إعداد الأستاذ هيثم شعيب

مقارنة بين التربية الحديثة والتربية التقليدية

الاختصاص والرمز :التربية المختصة
علم التربية 21/ 3 / 2014

التربية الحديثة والتربية التقليدية

اشرحي كيف تتميّز التربية الحديثة عن التربية التقليدية في مواجهة متطلبات القرن الحادي والعشرين مبينة مساهمات كبار المربين مثل ماريا مونتسوري وديوي وفرينه في هذا المجال .

أ- هل تجدين موقعا ودورا لك كمربية مختصة في التربية الناشطة ؟
ب-اشرحي ذلك .

يجرّنا الكلام عن التربية، إلى الكلام عن الإنسان ذاته، ذاك الوافد على المستقبل بنماءٍ تربوي هجين، حيث يدفعنا إلى التفكير جديًا بضرورة إيجاد سبل قراءةٍ جديدةٍ للواقع التربوي، منطلقًا من قوة معرفيّة، تتفاعل وأولويات الإنسان .. لمَ لا ؟
فالمجتمعات ترتقي بالتربية التي تزوّد الأفراد بالمعارف والمهارات الضرورية، انطلاقًا من محاكاتها لميولهم وقدراتهم، وتهذيب انفعالاتهم، وتصعد بهم سلّم نجاحهم عبر المدرسة، والتي هي من إفرازات التطور الاجتماعي للبشر. ولطالما كان المتعلّم ركيزة الاهتمام في عالم المتغيرات المتسارعة والمتنامية، والهادفة إلى بناء وعي المتعلّم كضرورة أصيلة تمكّنه من أن يكيّف نفسَه مع بني مجتمعه. وبالتالي تعتبر التربية عملية تأقلم مع البيئة والظروف ذات الفاعلية المجتمعية والحضارية والثقافية. إلا اننا ننطلق من اشكالية واضحة قوامها هل تتميّز التربية التقليدية عن التربية الحديثة في مواجهة القرن الحادي والعشرين ؟ وهل من دور للمربية المختصة في تفعيل الطرق الناشطة ؟
من هنا سنؤكد على موقف الكثير من المربّين لناحية اعتبار التربية الحديثة المرآة التي تنعكس تطلعات المجتمع وأهدافه .. أي بالتربية الحديثة يكسب المرءُ الصفة الإنسانية .
بدايةً لا بد من الإشارة إلى أن التربية التقليدية تنطلق لتمارس دورها من جهلٍ بعالم الإنسان، ومن رؤية غير واضحة لمداركه، واعتبرته الوعاء الذي يمكن حشوه بالمعلومات ليس إلا. فقد كانت التربية قديماً تعتمد على التلقين الجاف للمعارف والمعلومات وهى طرق مأخوذة عن التربية‬ ‫اليونانية القائمة على العنف والشدة وممارسة القمع . كما كانت التربية التقليدية تلزم الطفل بالحفظ عن ظهر قلب سواء وافقت هذه المعارف حاجياته وطباعه‬ ‫أم لم توافق فعلى الأطفال أن يتعلموا الطاعة العمياء دون ابداء آرائهم . وهي بالعموم تقدّم التعليم على التربية ، وقوامها التلقين واعطاء المعلومات وتقديمها للجميع بعيدا عن الفردية ، بتركيزها على الذاكرة والحفظ ، وما يسجل على التربية التقليدية هو أنها استندت الى علم نفس ناقص ، غلبت عليه نزعة عقلية إرادية وأهملت العاطفة والدوافع التي تتحكم في نشاط الطفل ، كما اعتبرته رجلا صغيرا ، كما أنها جعلت مركز الثقل خارج الطفل واعتبرت محور العملية التعليمية في مناهج التعليم والمعلم والامتحانات وفي النظام المتشدد . وبالتالي كانت تعتبر التربية هي

إعداد للحياة وليست الحياة لهوا ولعبا ، وهي من أجل ذلك طلبت أن يكون الطفل مستمعا للدروس ومتلقيا دون مشاركة فعلية ، محددة سلفا ما ينبغي أن يفعله الطفل من عادات وتمرينات ، وكانت تلجأ الى الوظائف البيتية دون التخطيط لها كما ونوعا . وقد أكدت على تقييد نشاط الطفل ضمن شبكة ضيقة من الأوامر وأخضعته لرقابة صارمة ، فالأنشطة عموما مقيّدة .
بينما التربية الحديثة بدورها انطلقت من فهم شمولي أكثر موضوعية لفهم واقع الإنسان وفعاليته، وتتبنى كل ما توصل إليه العلم الحديث من ثوابت وحقائق، ومدارك، وانفعالات الفرد، ذات صلة ببيئته وواقعه. فقد أكدت على الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة ، وتقدم التربية على التعليم ، وتعتمد على مراعاة الفروق الفردية ، فهي توجه عناية شاملة لتكوين الطفل تكوينا متكاملا متسقا ، وتؤكد على أهمية العناية بتربية الفكر والخلقية والتربية المهنية للفرد ، من خلال التكيف مع اهتمامات الطفل في كل مرحلة من مراحل العمر وتحرص على إيجاد الجهد الخلقي الملائم لاهتمامات الطفل النفسية واهتمت بتقسيم مراحل الطفولة وقدمت التربية على أسس ملائمة لتكوين النمو النفسي للطفل في كل مرحلة من مراحل نموه .
ومن الأمثلة على ذلك ، يقرّ علم النفس أن اللعب حاجة عند الطفل، فالمدارس التي تمارس التعلم باللعب تكون حديثة، وأما إذا بقي الولد ساكتًا أثناء التعليم ولم يمارس حيويته ونشاطه، فالتربية تصبح تقليدية.
ولقد ساهم كبار المفكرين في مواجهة العوائق التي تواجه متطلبات القرن الحادي والعشرين ، فماريا منتسوري اعتبرت الحواس الاساس في عملية التعلم واعتمدت تربية كل حاسة بمفرها منطلقة من الجزء الى الكل في تعليمها ، الحرية والاستقلالية وتعني البيئة المادية والمعنوية للمدرسة ، فماريا منتسوري تعتبر البيئة المدرسية يجب أن تهيّأ بشكل يؤمن الحرية والاستقلالية للطفل وتحمل المسؤولية . وهي تعتبر أن لا بد من توفير جو من المحبة بين الاطفال والمعلمة ، و الحرية ليست مطلقة بل تحكمها اسس ونظم وقواعد آمن بها الأطفل ويحترمون النظام .فمنتسوري تعتبر أن الطاعة بحرية وعفوية هي أساسية في تنظيم شخصية الطفل . ولا تعتبر حركته وتعلمه الهدوء لذلك اهتمت الطبيبة المربية بأعداد البيئة الملائمه لنشاط الطفل الذاتي بالنسبة لها . يجب ان يمتاز الاساس بالجمال والخفه في الوزن والسهوله في الحرية ومتوافق مع حجم الطفل والوانه زاهية لتنمية الحس الجمال عنده. يجب ان تكون الرفوف متوافقة لطول الطفل ليتمكن من تناول ما يريد من العاب وادوات دون الحاجة للجوء الى الراشد. يجب ان تكون التعاليق مناسبة لطوله ليتمكن من تعليق سترته بمفرده وكذلك الحمامات والحنفيات .و لتنمية الطفل بشكل سوي ومتوازن تعتبر مونتسوري انه يجب ان يسود المدرسه : جو المحبه بين الاطفال والمعلمه وهذا يجعل الاطفال يحترمون النظام وبما ان المعلمه تجسد يتصرفاتها واقوالها النظام فيتعود الاطفال على تقليدها .و انطلاقا من مبداء التربية الذاتية والتعليم بحرية اعتمدت مونتسوري وسائل تعليمية ترشد بذاتها الى كيفية استخدامها . ولاعتبارها ان الحواس اساس التعلم والتنمية الذهنية فقد كانت جميع وسائلها تهدف الى تنميتها.

يرى ديوي أن أسلوب المحاضرة من الطرائق القاصرة في التعليم ومنافعها محدودة لأنها لا تتيح الفرصة للمتعلم كي يستكشف الواقع، ويجمع المعلومات، ويقيس الأمور، ويبحث عن الحلول. لهذا فإن أسلوب السعي في حل المشكلات القائم على حرية المتعلم أكثر إيجابية وخير من الدروس التقليدية القائمة على محاضرات المعلم التلقينية. وهكذا فإن جون ديوي لا يتفق مع طريقة جون فريدريك هربرت في توصيل المعلومات عبر خطوات منهجية في عرض الدرس لأن الطالب سيكون سلبيا فالمعلومات تأتي إليه في الصف ولا ينجذب إليها.
ومن أفكار ديوي التربوية طريقة المشروع “project method” ويقصد بها أنَّ يقوم المتعلمون باختيار موضوع واحد ودراسته من عدة جوانب كأن يذهب المتعلمون إلى مزرعة وفيها يتعلمون كيفية الزراعة ويستمعون إلى تاريخ الزراعة في تلك المنطقة ويتعاون كل فرد من المجموعة بعمل جزء من المشروع. في عملية تنفيذ المشروع يقوم الطالب بجمع البيانات المطلوبة من المكتبة أو مقابلة الأساتذة. من أهم سمات طريقة المشروع كنشاط شامل أن المتعلم عادة سيتفاعل معه لأنه قد يكون شارك في اختيار الموضوع. طريقة المشروع تشبع حاجة المتعلم النفسية لأنها تراعي الفروق الفردية، وتدفعه إلى التعلم الجماعي، وتحرره من قيود الكتاب المدرسي.
اما بالنسبة الى مبادئ فرينيه التربوية ،فهي مبادئ معاشة استوحاها من حياته المدرسية كمتعلم أحس بالملل في المدرسة التقليدية ،وكمدرس احس بالتعب والفشل بسبب الطريقة التقليدية التلقينية الممحورة حول المعلم، ولذلك نادى بمبادئ عملية طبقها في مدرسته ، وأهم مبدأ عند فرينيه هو الأداتية التربوية التي تغير من جو الصف ،وتجعله معملا ناشطا بإدخال الأدوات والتقنيات الضرورية للعمل . يثق المربي بخيار الطفل ويشجعه في سعيه ويحثه على المعرفة من خلال التعبير الحر ، اعتبر فرينيه الطفل محور العملية التربوية وبالتالي تكون حاجاته الأساسية هي المنطلق في اختيار المواد التعليمية إذ لكي نبعث في الطفل الرغبة في العمل فرضا ، اعتبر فرينيه ان هدف التربية الأسمى تنمية شخصية الطفل وسط مجتمع يفيد منه ويستفيد …
أما بالنسبة الى دور المربي ، فيجب ان يقوم على تنشيط التعليم ، وجعله منظما وموجها ، من خلال تزويد الطلاب بالفرص الكافية للنجاح من خلال التعليم المستمر وتحليل المهارات وحسن توظيف التغذية الراجعة ، والتأكيد على تهيئة الظروف الايجابية والممتعة والمنتجة للتعلم ، من شانها استثارة دافعية الطلاب ،تقوم على التشجيع والدعم والتعزيز الايجابي ، وحسن توظيف المثيرات البصرية والسمعية التي تراعي أصحاب الحالات الخاصة …
وأخير يمكننا القول بأن التربية التي تقوم على تربية النفس وتنميتها وسد النقص الذي تشكله الفروق الفردية من شأنه تحقيق الأهداف والكفايات التربوية ، وعلى العكس تماما ، فإن متطلبات القرن الحادي والعشرين لا تتلاءم مع الأسس القديمة للتربية التقليدية والتي كانت تقوم على السيطرة والرهبة والقمع ، حتى اطلق عليها مصطلح مدرسة الصمت . وهنا نتساءل في سرنا : ما هو السبيل للانتقال بطلابنا الى التربية الحديثة بروحيتها وخصائصها ؟ وهل سننحو نحو النمط التعليمي الاكثرجدوى ؟ ام سيبقى الحنين الى ممارسات نشأ عليها البعض ولم ير فيها من سلبيات ؟
اسئلة كثيرة تتنوع في دنيا التربية وعالم التعليم ، علنا نصحو يوما فنرى موكب التربية قد قطع اشواطا في التطوير ومجاراة الركب العلمي البناء .

أضف تعليق